قواعد عند الاستدلال في مسائل العقيدة عند أهل السنة والجماعة |
بعد عرض خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة سابقا والتقرير بأن عقيدة أهل السنة والجماعة هي العقيدة الواجب اتباعها ، ومعرفة المصادر المعتمدة في الاستدلال، نتطرق في هذا المقال الي قواعد الاستدلال العامة والخاصة بالنصوص وكذلك كيفية الاستدلال علي مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة .
أولا : قواعد عامة في الاستدلال
١- السُّكوتُ عمَّا سَكَت عنه اللهُ ورسولُه والإمْسَاكُ عمَّا أمسَكَ عنه السَّلَفُ الصَّالحُ .
كلُّ مسألةٍ مِن المَسائِلِ الشَّرعيَّةِ -ولا سيَّما مَسائِلِ الاعتقادِ- لا يُحكَمُ فيها نفيًا أو إثباتًا إلَّا بدليلٍ، فما ورد الدَّليلُ بإثباتِه أُثبت، وما ورد بنَفْيه نُفِيَ، وما لم يرِدْ بإثباتِه ولا بنَفْيِه دليلٌ توقَّفْنا، ولم نحكُمْ فيه بشيءٍ؛ لا إثباتًا ولا نفيًا، ولا يعني هذا أنَّ المسألةَ خاليةٌ عن الدَّليل، بل قد يكونُ عليها دليلٌ، لكِنْ لا نعلَمُه، فالواجِبُ التوقُّفُ: إمَّا مُطلقًا، أو لحين وجدانِ الدَّليلِ .
قال الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء: 36] .أي: ولا تَقُلْ أو تفعَلْ شيئًا بمُجَرَّدِ الظَّنِّ، فتَتْبَعْ ما لا عِلمَ لك به، ولا دليلَ على صِحَّته. وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ذَرُوني ما تركتُكم؛ فإنَّما هَلَك مَن كان قَبْلَكم بكَثرةِ سُؤالِهم، واخِتلافِهم على أنبيائِهم، فإذا أمرتُكم بشَيءٍ فأْتُوا منه ما استَطَعْتُم، وإذا نهيتُكم عن شَيءٍ فدَعُوه ))
٢- لا نَسْخَ في الأخبارِ ولا في مسائل الاعتقاد
إنَّ ما ذَكَره اللهُ من أخبارِ الجنَّةِ والنَّارِ، والحِسابِ والعِقابِ، والبَعثِ والحَشرِ والجَزاءِ، وغيرِ ذلك من الأخبارِ ومَسائِلِ الاعتقادِ: هي أمورٌ مُحكَمةٌ ثابتةٌ؛ لأنَّه تعالى إذا أخبَرَ عن شيءٍ فإنما يخبِرُ بعِلْمِه، وعِلْمُه أزليٌّ لا أوَّلَ له
ثانيا: قواعد خاصة بنصوص الاستدلال
١- الاستدلال بالنصوص علي ظاهرها ورد التأويل .
فالواجِبُ في نصوصِ الوَحيِ إجراؤُها على ظاهِرِها المتبادِرِ، واعتقادُ أنَّ هذا المعنى هو مرادُ المتكلِّمِ ، ورد التأويل الذي هو صرفُ الكلامِ عن ظاهِرِه المتبادِرِ من غيرِ دَليلٍ يُوجِبُه .
٢- درء التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل .
نُصوصُ الكِتابِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ والصَّريحةِ في دَلالتِها: لا يعارِضُها شيءٌ من المعقولاتِ الصَّريحةِ؛ ذلك أنَّ العقل السَّويَّ شاهِدٌ بصحَّةِ الشَّريعةِ إجمالًا وتفصيلًا.
فإن وُجِد ما يوهِمُ التعارضَ بين العَقلِ والنَّقلِ، فإمَّا أن يكونَ النقلُ غيرَ صحيحٍ، أو يكونُ صحيحًا ولكِنْ ليس فيه دَلالةٌ صحيحةٌ على المدَّعى، وإمَّا أن يكونَ العَقلُ فاسِدًا .
٣- موافقة النصوص لفظا ومعني أولي من موافقتها في المعني دون اللفظ .
لا شكَّ أنَّ مُتابَعةَ الكِتابِ والسُّنَّةِ في اللَّفظِ والمعنى أكمَلُ وأتمُّ من متابعتِهما في المعنى دونَ اللَّفظِ، ويكونُ ذلك باعتِمادِ ألفاظِ ومُصطلَحاتِ الكِتابِ والسُّنَّةِ لا سيَّما عند تقريرِ مَسائِلِ الاعتِقادِ وأُصولِ الدِّينِ .
ثالثا : كيفية الاستدلال عند أهل السنة والجماعة .
يقوم علماء أهل السنة والجماعة بجمع النصوص في الباب الواحد واعمالها بعد تصحيحها .
يَجِبُ عند بيانِ مسألةٍ عَقَديَّةٍ جمعُ كلِّ ما يتعلَّقُ بها من أدلَّةٍ مع تحريرِ دَلالةِ كلِّ دليلٍ منها، وتصحيحُ النَّقل ِعن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واعتمادُ فَهْمِ الصَّحابةِ والثِّقاتِ مِن عُلَماءِ السَّلَفِ الصَّالحِ رَضِيَ اللهُ عنهم، فإنْ بدا ما ظاهرُه التَّعارُضُ بين تلك الأدلَّةِ عند المجتَهِدِ لا في الواقعِ في نَفسِ الأمرِ، فيَجِبُ الجمعُ بينها، وعدمُ إهمالهِا بردِّ ما غَمُضَ منها واشتَبَه إلى ما ظهر منها واتَّضح، وتقييدُ مُطلَقِها بمقيَّدِها، وتخصيُص عامِّها بخاصِّها، فإن كان التَّعارُضُ في الواقِعِ ونَفْسِ الأمرِ فبنَسْخِ مَنسوخِها بناسخِها، وذلك في الأحكامِ الفقهية دونَ الأخبارِ ومسائل العقيدة، فلا يَدخُلُ الأخبار والعقيدة نَسخٌ، وإنْ لم يكُنْ إلى عِلمِ ذلك من سَبيلٍ، فيرُدُّه إلى عالِمِه تبارك وتعالى .
وبذلك يتضح ان التعارض بين الأدلة يكون في الظاهر فقط ، ومن أدلة ذلك مايلي :
قال الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82] .
وقال اللهُ تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ * تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 41-42] .
فإذا كانت الأدلة متعارضة في الظاهر يقوم علماء السلف بمحاولة الجمع بينها دون إهمال دليل منهم ، وإذا لم يمكن الجمع بينهم يقوم العلماء بتحديد الدليل المطلق والدليل المقيد فيقدم الدليل المقيد ويقوم العلماء بتحديد الدليل العام والدليل الخاص ويقوم بتقديم الدليل الخاص علي العام .
ولو كان التعارض في الواقع وفي نفس الأمر يقوم العلماء بتحديد الدليل الناسخ والدليل المنسوخ ويقدم هنا الدليل الناسخ بعد معرفة تاريخ قول كل دليل او يكون منصوص عليها في الدليل مثل قوله صلَّى الله عليه وسلم ( كان آخر الأمرين ٠٠٠) والنسخ يوجد في الأحكام الفقهية فقط ولا يوجد في الأخبار ولا في الأمور العقائدية .
وفي حالة عدم قدرة العلماء علي الجمع بين الأدلة او ترجيح أحدهما عند وجود تعارض ظاهري او واقعي يقوم العلماء برد العلم الي الله تعالي .
اي ان طريقة علماء السلف الصالح عند الاستدلال يكون بتجميع الأدلة ومحاولة الجمع بينهم في المعني ثم الترجيح بينهم في حالة التعارض بينها.
سنتعرض في المقال القادم الي المسائل المقررة في عقيدة اهل السنة والجماعة .
تعليقات
إرسال تعليق
سعداء بتعليقاتكم