شروط شهادة أن لا إله إلا الله |
شروط شهادة لا إله إلا الله ما يلي :
١- العلم :
يجب العلم بالمعنى المراد من شهادة أن لا إله إلا الله نفيا وإثباتا .
إثبات العبادة لله تعالي وحده ونفي عبادة ما دونه
قال اللهُ تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] .
قال السعدي في تفسيره: (والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا هو أمور:
أحدها بل أعظمها: تدبر أسمائه وصفاته، وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلالته؛ فإنها توجب بذل الجهد في التأله له، والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال.
الثاني: العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية.
الثالث: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية؛ فإن ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته، والتأله له وحده لا شريك له.
الرابع: ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به، فإن هذا داع إلى العلم بأنه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها.
الخامس: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عبدت مع الله، واتخذت آلهة، وأنها ناقصة من جميع الوجوه، فقيرة بالذات، لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا ينصرون من عبدهم، ولا ينفعونهم بمثقال ذرة، من جلب خير أو دفع شر؛ فإن العلم بذلك يوجب العلم بأنه لا إله إلا هو، وبطلان إلهية ما سواه.
السادس: اتفاق كتب الله على ذلك، وتواطؤها عليه.
السابع: أن خواص الخلق الذين هم أكمل الخليقة أخلاقا وعقولا ورأيا وصوابا وعلما -وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون- قد شهدوا لله بذلك.
الثامن: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية التي تدل على التوحيد أعظم دلالة، وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته، وبديع حكمته، وغرائب خلقه.
فهذه الطرق التي أكثر الله من دعوة الخلق بها إلى أنه لا إله إلا الله، وأبداها في كتابه وأعادها، عند تأمل العبد في بعضها لا بد أن يكون عنده يقين وعلم بذلك، فكيف إذا اجتمعت وتواطأت واتفقت، وقامت أدلة التوحيد من كل جانب، فهناك يرسخ الإيمان والعلم بذلك في قلب العبد، بحيث يكون كالجبال الرواسي، لا تزلزله الشبه والخيالات، ولا يزداد -على تكرر الباطل والشبه- إلا نموا وكمالا.
هذا، وإن نظرت إلى الدليل العظيم، والأمر الكبير -وهو تدبر هذا القرآن العظيم، والتأمل في آياته- فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد، ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره) انتهي .
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة )) رواه مسلم في صحيحه ح٢٦ .
قال ابن القيم في زاد المعاد: في هذا الحديث يوضح النبي صلى الله عليه وسلم فضل العلم بكلمة التوحيد، والموت على ذلك؛ فيخبر أن من مات وهو مؤمن بالله، يعلم أن الله عز وجل هو المعبود بحق وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم- دخل الجنة في الآخرة برحمة الله. وضد العلم: الجهل، وهو الذي أوقع الضلال من هذه الأمة في مخالفة معناها، وترك العمل بمقتضاها؛ فمن جهل معنى (لا إله إلا الله) لا بد أنه سينقضها باعتقاد، أو قول، أو عمل انتهي.
٢- اليقين :
يجب أن يكون قائل لا إله إلا الله مستيقنا بمدلولها يقينا جازما؛ فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن.
قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الذِّينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات: 15].
وقال ابن كثير: (قوله: إنما المؤمنون أي: إنما المؤمنون الكمل المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا أي: لم يشكوا ولا تزلزلوا، بل ثبتوا على حال واحدة، وهي التصديق المحض) .
قال ابن القيم في زاد المعاد : (المؤمنون حقا هم الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يشكوا في وحدانية الله تعالى، وصدق نبوة نبيه، ووجوب طاعتهما، بل ثبتوا على إيمانهم ولم يتزلزلوا، فشرط تعالى في الإيمان عدم حصول الريب؛ لأن الإيمان النافشع هو الجزم اليقيني بما أمر الله بالإيمان به، والذي لا يعتريه شك بوجه من الوجوه ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله: لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ))رواه مسلم في صحيحه ح٢٧ .
قال ابن القيم في زاد المعاد : في هذا الحديث شهد النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لله، ولنفسه بالرسالة، وأنه صادق فيما جاء به من عند مولاه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من شهد بهذه الشهادة ومات عليها، وهو متيقن من معناها، وعمل بمقتضاها دون شك أو ريبة، أدخله الله الجنة؛ فأهل التوحيد سيدخلون الجنة، ومن عذب منهم في النار، فإنه لا يخلد فيها؛ لفضل التوحيد انتهي .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة )) رواه مسلم في صحيحه ح٣١ .
قال ابن القيم في زادالمعاد : أن يستيقن المسلم يقينا جازما بمدلول كلمة التوحيد، وهو أنه لا معبود بحق إلا الله، دون تسرب شيء من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس؛ لأنها لا تقبل مع شك ولا ظن، ولا تردد ولا ارتياب، بل يجب أن تقوم على اليقين القاطع الجازم، وهذا يصدق على كل من كان بهذا اليقين في أي عصر من العصور انتهي .
قال السعدي في تفسيره:وكما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة: ((من لقي الله وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله غير شاك فيهما، دخل الجنة )) رواه مسلم في صحيحه ح٢٧ ،وكما قال: ((من كان آخر قوله: لا إله إلاالله، دخل الجنة )) رواه ابوداود في سننه وصححه الالباني ح٣١١٦
فحاصل هذين الحديثين: أن من لقي الله تعالى وهو موصوف بالحالة الأولى والثانية دخل الجنة انتهي .
٣- القبول :
قال اللهُ تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاءَ بِالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِين [الصَّافات: 35-37] .
قال ابن القيم في زاد المعاد: بين الله تعالى أن المشركين إنما وقعوا في عذاب الآخرة؛ لأنهم كانوا إذا قيل لهم في الدنيا: قولوا: لا إله إلا الله، يتكبرون عن قول ذلك، ولا يستجيبون لمن دعاهم إليه، ويقولون: أنقول: لا إله إلا الله، ونترك عبادة آلهتنا؛ اتباعا لقول شاعر مجنون؟! وليس الأمر كما يزعمونه من أنه صلى الله عليه وسلم شاعر مجنون، وإنما هو نبي جاء بالقرآن من عند الله، وفيه الأمر بتوحيد الله، وقد صدق المرسلين الذين كانوا قبله، وأخبروا بمجيئه؛ فكانت بعثته تصديقا لهم، وشهد هو بنبوتهم، وأخبر بمثل ما أخبروا به من التوحيد وغيره من الحق انتهي .
وقال الشنقيطي: (المعنى: كذلك نفعل بالمجرمين لأجل أنهم كانوا في دار الدنيا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله يستكبرون، أي: يتكبرون عن قبولها، ولا يرضون أن يكونوا أتباعا للرسل) انتهي .
٤- الانقياد :
قال اللهُ تعالى: وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [لقمان:22] .
قال ابن القيم في زاد المعاد: بين الله تعالى أن من يخلص عمله وقصده لله وحده، وهو مع إخلاصه منقاد لطاعة الله في أمره ونهيه كأنه يراه، ومتبع لشريعة نبيه، ومحسن إلى خلقه؛ فقد تمسك بأوثق رباط يتمسك به من يريد الفوز والنجاة من الضلال والعذاب، وإلى الله وحده ترجع نهاية كل أمر؛ فأمور من أسلم وجهه إلى الله صائرة إلى الله، وموكولة إليه؛ فهو ينصرهم ويجازيهم إذا قدموا عليه جزاء حسنا وافيا. وقد قيل: إن العروة الوثقى هي: لا إله إلا الله، فمن لم ينقد إلى طاعة الله تعالى لم يكن متمسكا حقا بشهادة التوحيد .
قال ابن عثيمين في فتاوي نور علي الدرب: فالخلاصة أنه لا بد من الإيمان بها قولا وعملا مع النطق، فيشهد أنه لا إله إلا الله، عن علم ويقين، وإخلاص وصدق، ومحبة لما دلت عليه من التوحيد، وانقياد لحقها، وقبول لذلك، وبراءة وكفر لما يعبد من دون الله سبحانه) انتهي .
٥- الصدق :
الصدق هو أن يواطئ القلب اللسان، فإذا صدق العبد في كلمة التوحيد، وجعلها في حياته منهجا وسبيلا، وفي سيره إلى الله دليلا؛ فهو المرضي الذي لا يناله يوم القيامة خوف ولا حزن .
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار )) رواه البخاري في صحيحه ح١٢٨
قال ابن القيم في زاد المعاد: أكد النبي صلى الله عليه وسلم أهمية الصدق في قول كلمة التوحيد حين أخبر معاذا رضي الله عنه: أنه ما من أحد يقول كلمة التوحيد بلسانه ويصدق قلبه بمعناها ومقتضاها صدقا منافيا للكذب والنفاق، إلا حرمه الله على النار، بمعنى: حرم عليه الخلود فيها، أما من قال الشهادة بلسانه، وأنكر مدلولها بقلبه؛ فإن هذه الشهادة لا تنجيه، بل يدخل في عداد المنافقين انتهي .
٦- الإخلاص :
الإخلاص هو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك .
وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله )) رواه البخاري في صحيحه ح١١٨٦ .
قال ابن القيم في زاد المعاد في معنى الحديث: أن العبد إذا قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله، يطلب رضا الله سبحانه، ولم يقلها لينال حظا من حظوظ الدنيا، كمغنم، أو اتقاء القتل، أو رياء وسمعة؛ حرم الله عليه النار انتهي
وقال محمد سلطان المعصومي في مفتاح الجنة لا إله إلا الله : (لا إله إلا الله هي كلمة الإخلاص المنافية للشرك، وكلمة التقوى التي تقي قائلها من الشرك بالله، ولكن لا تنفع قائلها عند الله وفي الدار الآخرة إلا بشروط:
الأول: العلم بمعناها نفيا وإثباتا.
الثاني: اليقين، وهو كمال العلم بها المنافي للشك.
الثالث: الإخلاص المنافي للشرك. فمن يقول: لا إله إلا الله، ولكن لا يفهم معناها ولا يعمل به، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا؛... لأن الله عز وجل قال: فاعلم أنه لا إله إلا الله [محمد: 19] ) انتهي.
٧- المحبة :
فيجب محبة هذه الكلمة وما اقتضته وما دلت عليه، ومحبة أهلها العاملين بها، الملتزمين لشروطها، وبغض ما ناقض ذلك .
قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ [البقرة:165].
قال ابن القيم في زاد المعاد: أخبر الله تعالى أن بعض الناس يجعلون من بعض الخلق نظراء لله سبحانه، بمساواتهم له في المحبة، فيحبونهم كما يحبون الله تعالى، وأما المؤمنون الموحدون فهم أشد حبا لله عز وجل من محبة أولئك لله تعالى ولأندادهم.
وفي هذه الآية دلالة على أن محبة الله سبحانه من العبادة؛ لأن الله جعل من سوى غيره به فيها مشركا متخذا لله ندا؛ فالمحبة من العبادة، بل هي أساس العبادة؛ لأن أساسها مبني على الحب والتعظيم، وكلما ازداد إيمان العبد ازدادت محبته لله؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى رتب شدة المحبة على الإيمان انتهي .
قال ابن كثير في تفسيره : وقوله تعالي: "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ" ولحبهم لله وتمام معرفتهم به، وتوقيرهم وتوحيدهم له، لا يشركون به شيئا، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه، ويلجؤون في جميع أمورهم إليه) انتهي.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما... )) الحديث رواه البخاري في صحيحه ح١٦ .
قال ابن القيم في زاد المعاد: يوضح النبي صلى الله عليه وسلم ويبين أهمية هذه المحبة، ووجوبها لتحقيق الإيمان الكامل؛ فيذكر صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال، ويبين أن من حققها وقام بها، فإنه هو الذي يجد حلاوة الإيمان؛ فأولها: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومحبة الله تنشأ من معرفة أسمائه وصفاته، والتفكير في مصنوعاته، وما فيها من الحكم والعجائب، وتحصل من مطالعة نعمه على العباد انتهي .
ملخص شروط لا إله إلا الله :
١- العلم بمعناها نفيا وإثباتا المنافي للجهل .
٢- اليقين المنافي للشك .
٣- القبول المنافي للرد .
٤- الانقياد المنافي للترك .
٥- الصدق المنافي للكذب .
٦- الإخلاص المنافي للشرك. .
٧- المحبة المنافية للبغض .
سنتناول في المقال القادم شهادة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حيث المعني ، ووجوب الإيمان بنبوته ورسالته، إن شاء الله تعالى
تعليقات
إرسال تعليق
سعداء بتعليقاتكم