توحيد الأسماء والصفات، معناه ومنزلته |
سنتناول في هذا المقال القسم الأخير من أقسام التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات، من حيث المعني والمنزلة .يعتبر علمه من أشرف العلوم لانه يوصل الي معرفة الله سبحانه وتعالي بأسمائه وصفاته، وكذلك أكملها، حيث تشمل جميع العلوم .
فمن انفتح علي هذا العلم، انفتح له باب التوحيد الخالص والإيمان الكامل، فهو يتعرف فيه علي معبوده سبحانه وتعالي، لكي يحقق أركان العبادة من كمال الذل وكمال المحبة، وبذلك تحقق العبادة ثمارها بزيادة الإيمان .
أولا : معني توحيد الأسماء والصفات
وقال السعدي في القول السديد : (توحيد الأسماء والصفات: هو اعتقاد انفراد الرب جل جلاله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلالة والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة، على الوجه اللائق بعظمته وجلاله، من غير نفي لشيء منها، ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ، ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب، وعن كل ما ينافي كماله) انتهي ( ص١٨) .
ثانيا : منزلة توحيد الأسماء والصفات
١- العلم بأسماء الله وصفاته أشرف العلوم .
قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: إن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهمه والبحث التام عنه اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب انتهي (٢٤٧/٦) .
٢- العلم بأسماء الله وصفاته أصل للعلم بكل معلوم
قال ابن تيمية في الفتاوي : إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها: أصل للعلم بكل معلوم؛ فإن المعلومات سوى الله تعالى إما أن تكون خلقا له تعالى، أو أمرا، فهي إما علم بما كونه، أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر هو أسماؤه الحسنى، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي أحصى جميع العلوم؛ لأن كل المعلومات هي من مقتضاها، ومرتبطة بها انتهي (٥٦٩/٧) .
قال ابن القيم في بدائع الفوائد : وقال ابن القيم: (العلم به تعالى أصل للعلم بكل ما سواه، فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها انتهي (٢٨٧/١) .
٣- العلم بأسماء الله وصفاته هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل .
وقال ابن تيمية في الفتاوي : (من عرف أسماء الله ومعانيها وآمن بها، كان إيمانه أكمل ممن لم يعرف تلك الأسماء، بل آمن بها إيمانا مجملا، أو عرف بعضها، وكلما ازداد الإنسان معرفة بأسماء الله وصفاته وآياته، كان إيمانه به أكمل) انتهي (٢٣٣/٧) .
وقال ابن القيم في الصواعق المرسلة : (أساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم: معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان:
أحدهما: تعريف الطريق الموصلة إليه، وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه.
الثاني: تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه؛ من النعيم الذي لا ينفد، وقرة العين التي لا تنقطع.
وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول ومبنيان عليه؛ فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصل إليه، وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه) انتهي(١٥١/١) .
وقال السعدي في القول السديد : (أصل التوحيد: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى، ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة، والمعارف الجميلة، والتعبد لله بها، ودعاؤه بها. فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه، فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى؛ فمن دعاه لحصول رزق فليسأله باسمه الرزاق، ولحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحيم الرحمن البر الكريم العفو الغفور التواب، ونحو ذلك. وأفضل من ذلك أن يدعوه بأسمائه وصفاته دعاء العبادة، وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى، وتحصيلها في القلوب؛ حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها، وتمتلئ بأجل المعارف.
فمثلا: أسماء العظيم والمتكبر والمجيد ؛ تملأ القلب تعظيما لله وإجلالا له.
وأسماء الجميل والبر والمحسن والرحمن والرحيم والحميد والجواد؛ تملأ القلب محبة لله وشوقا له، وحمدا له وشكرا.
وأسماء العزيز والحكيم والعليم والقدير؛ تملأ القلب خضوعا لله وخشوعا وانكسارا بين يديه.
وأسماء العليم والخبير ؛ تملأ القلب مراقبة لله في الحركات والسكنات، وحراسة للخواطر عن الأفكار الردية والإرادات الفاسدة.
وأسماء الغنى واللطيف؛ تملأ القلب افتقارا واضطرارا إليه، والتفاتا إليه في كل وقت وفي كل حال.
فهذه المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته وتعبده بها لله؛ لا يحصل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها، وهي أفضل العطايا من الله لعبده، وهي روح التوحيد وروحه، ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخالص، والإيمان الكامل، الذي لا يحصل إلا للكمل من الموحدين) انتهي ( ص١٦٠) .
سنتناول في المقال القادم ثمرات توحيد الأسماء والصفات .
تعليقات
إرسال تعليق
سعداء بتعليقاتكم