التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أحكام توحيد الأسماء والصفات

أحكام توحيد الأسماء والصفات
أحكام توحيد الأسماء والصفات 

فيما سبق تم معرفة توحيد الربوبية والألوهية ويتبقي معرفة توحيد الأسماء والصفات لاستكمال أقسامالتوحيد، فنتعرف هنا علي أحكامه التي يتم بها إثبات الأسماء والصفات للدعاء بها دون إلحاد فيها لقوله تعالى"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون" [الأعراف: 180] .

أحكام توحيد الأسماء والصفات 

١- وجوب الإيمان والتسليم بجميع ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته

قال تعالي:"لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" [الأعراف: 180] ، وقال تعالى: "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" [الإسراء: 110]  وقال: "وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ" [المائدة: 4] ، وقال: "لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى" [طه: 8])

وقال ابن عبد البر في التمهيد : (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله، وهم أئمة الجماعة، والحمد لله انتهي(١٤٥/٧) 

٢- قبول العمل باحاديث الآحاد في توحيد الأسماء والصفات خاصة وفي العقيدة عامة .

أن مسائل الاعتقاد -ومنها مسائل الأسماء والصفات- تؤخذ من أدلة الشرع كلها بلا تفريق، فتؤخذ من القرآن، ومن الحديث بقسميه المتواتر والآحاد، المتلقاة بالقبول. وعلى هذا كان الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان ، فخبر الواحد المتلقى بالقبول يفيد العلم والعمل، ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى أهل اليمن، قال له: ((إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ...  )) رواه البخاري في صحيحه ح٧٣٧٢  

أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: هذا أمين هذه الأمة)) رواه مسلم في صحيحه ح٢٤١٩.

وقال ابن خزيمة في التوحيد : (لا نصف معبودنا إلا بما وصف به نفسه، إما في كتاب الله، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، بنقل العدل عن العدل موصولا إليه، لا نحتج بالمراسيل، ولا بالأخبار الواهية، ولا نحتج أيضا في صفات معبودنا بالآراء والمقاييس) انتهي (١٣٥/١) .

وقال الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه  مبينا أن الأصل في هذا الباب الإيمان بما في الكتاب والسنة : (اعلم أن التحقيق الذي لا يجوز العدول عنه أن أخبار الآحاد الصحيحة كما تقبل في الفروع تقبل في الأصول، فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأسانيد صحيحة من صفات الله يجب إثباته واعتقاده على الوجه اللائق بكمال الله وجلاله، على نحو: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وبهذا تعلم أن ما أطبق عليه أهل الكلام ومن تبعهم من أن أخبار الآحاد لا تقبل في العقائد، ولا يثبت بها شيء من صفات الله، زاعمين أن أخبار الآحاد لا تفيد اليقين، وأن العقائد لا بد فيها من اليقين: باطل لا يعول عليه، ويكفي من ظهور بطلانه أنه يستلزم رد الروايات الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد تحكيم العقل، والعقول تتضاءل أمام عظمة صفات الله) انتهي (ص١٢٤) .

٣- إجراء النصوص من الكتاب والسنة علي ظاهرها دون تحريف .

قال اللهُ تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 193] .

وقال اللهُ سُبحانَه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2] .

فهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع من ذلك دليل شرعي يقتضي صرف اللفظ عن ظاهره، فالله المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين، فوجب قبول كلامه على ظاهره، وإلا لاختلفت الآراء، وتفرقت الأمة بسبب التأويل الفاسد .

الظاهر الشرعي المتبادر إلى الذهن، وذلك بإثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة على حقيقة الإثبات، وتنزيه الخالق عن مشابهة الخلق له في تلك الصفات، مع قطع الطمع عن إدراك الكيفية؛ فنصوص الصفات مفهومة، وإدراك كيفية الصفات شيء ممتنع.

وأما ترك التحريف فالمراد به عدم التسلط على نصوص الصفات بصرف معانيها المتبادرة إلى الذهن إلى معان أخرى غير متبادرة .

٤- اعتقاد أن ظاهر النصوص معلوم لنا باعتبار، ومجهول لنا باعتبار آخر .

فباعتبار المعنى هي نصوص معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها: مجهولة .

قال اللهُ تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواالأَلْبَابِ ص:29

وقال اللهُ سُبحانَه: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكـُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:2، 3] .

قال ابنُ باز في فتاويه : (ليس الأسلَمُ تفويضَ الأمرِ في الصِّفاتِ إلى علامِ الغُيُوبِ؛ لأنَّه سُبحانَه بَيَّنَها لعبادِه وأوضحَها في كتابِه الكريمِ وعلى لِسانِ رَسولِه الأمينِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يُبَيِّنْ كيفيَّتَها، فالواجِبُ تفويضُ عِلمِ الكيفيَّةِ لا عِلمُ المعاني، وليس التَّفويضُ مَذهَبَ السَّلَفِ، بل هو مَذهَبٌ مُبتَدَعٌ مُخالِفٌ لِما عليه السَّلَفُ الصَّالحُ. انتهي (٥٥/٣) .


سنتناول في المقال القادم قواعد إثبات الأسماء والصفات ان شاء الله تعالى  .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسم الله (المصور)

اسم الله (المصور) اسم الله (المصور):هو الذي خلق خلقه علي صور مختلفة،يترتب عليها خواصه ويتم بها كمال وظيفته التي قدرها الله تعالي له،بمقتضي حكمته سبحانه. كما هو موجود في خلق الله للإنسان والحيوان والنبات كل في صورة تخصه. والتصور : هو التخطيط والتشكيل . علم العبد باسم الله (المصور)، يجعله يتأمل في خلقه سبحانه،ويعلم باختلاف صور المخلوقات بحسب حكمته تعالي في خلقها،فيجد وظيفتها مسخرة لخدمة العباد،فيزداد محبة لله،ويزداد إيمانه .  منهج دراسة اسم الله (المصور) : ١- الأدلة علي اسم الله (المصور) . ٢- معني اسم الله (المصور) . ٣- وجوه اقتران اسم الله (المصور) بأسمائه الأخرى . ٤- قواعد الأسماء والصفات في اسم الله (المصور) ٥- الآثار الايمانية للعبد من اسم الله (المصور) . أولا : الأدلة علي اسم الله (المصور)  ١- الأدلة علي اسم الله (المصور) في القرآن  : ورد اسم الله (المصور) في القرآن مرة واحدة ، في قوله تعالى : {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: ٢٣]. ٢- الأدلة علي اسم الله (المصور) في السنة : لم يرد دليل علي اسم الله (المصور) في السنة...

اسم الله (العليم)

اسم الله (العليم) أشرك من صدق الكهان في الإخبار عن الغيب لانفراد الله تعالي بعلمه،لحديث (من أتي كاهنا فصدقه بما يقول فقد أشرك بما أنزل علي محمد) ،ويجب علي العبد تطبيق شرع الله في كل مكان وزمان، لأنها من علم الله تعالي . ورد اسم الله (العليم) في القرآن ١٥٧ مرة، منها قول الله -عز وجل-: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ٣٢]، قوله -عز وجل-: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: ١١٥]. وكذلك ورد اسم الله (العليم) في السنة : من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم- ثلاث مرات- لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح- ثلاث مرات- لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي» رواه أبوداود ح٥٠٨٨، صححه الالباني في صحيح الجامع ح٢١٨٠ معني العليم في اللغة : العين واللام والميم، أصل صحيح واحد، وهو نقيض الجهل، علمت الشئ بمعني عرفته ...

اسم الله (القدوس)

اسم (القدوس) اسم الله (القدوس) يعني تنزيه الله تعالي عن كل نقص وعيب، وبالتالي اثبات كمال صفات الله تعالي، مما يمنح العبد الثقة في قدرة الله تعالي في كل شئ، منها الرزق ورفع الابتلاء واستجابة الدعاء والتيسير في كل أموره الدنيوية . أولا: الأدلة علي إثبات اسم ( القدوس ) ١- الأدلة علي إثبات اسم ( القدوس ) من القرآن : ورد اسمه سبحانه (القدوس) مرتين في كتاب الله، وهما: - قوله -عز وجل-: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: ٢٣]. - قوله -عز وجل-: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم} [الجمعة: ١] . ٢- الأدلة علي إثبات اسم ( القدوس) من السنة : حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-، قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سلم في الوتر، قال: سبحان الملك القدوس» . رواه احمد في مسنده ح٢١١٤٢ صححه الالباني في مشكاة المصابيح ح١٢٧٥ ثانيا : معني اسم الله (القدوس)  ...