اسمي (الرحمن-الرحيم) |
تم التعرف في المقال السابق على الأدلة الخاصة بثبوت اسمي (الرحمن - الرحيم) ومعناهما والقواعد المتعلقة بهما .
سنتناول في هذا المقال معني الرحمة ومنزلتها وتقسيمها الي رحمة عامة ورحمة خاصة والتعرف علي آثار كل منهما علي الخلق ، والتعرف علي الآثار الايمانية للعباد المترتبة علي وصف الله بالرحمة في اسمي ( الرحمن- الرحيم) .
أولا : معني الرحمة
قال ابن القيم -رحمه الله- في إغاثة اللهفان : «الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأرحم الناس بك من شق عليك في إيصال مصالحك، ودفع المضار عنك» (١٧٤/٢) .
وهذه الرحمة هي الرحمة المحمودة المطلوبة، والتي جاءت النصوص بالترغيب فيها، والحث على الاتصاف بها .
ثانيا: منزلة الرحمة وفضلها:
الرحمة خلق سام، وسجية كريمة، حث الإسلام على التخلق والاتصاف بها، ورغب في ذلك ببيان منزلتها وفضلها، ومما ورد في ذلك : فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه مسلم في صحيحه ح٢٥٨٦).
ثالثا : آثار رحمة الله تعالى علي الخلق :
قال السعدي في فتح الرحيم المللك العلام أن رحمة الرحمن الرحيم بلغت آثارها من الكثرة ما تعجز العقول عن الإحاطة به، والأرقام والأعداد عن حصره؛ إذ جميع ما في العالم العلوي والسفلي من النعم وحصول المنافع والمحاب والمسار والخيرات من آثار رحمته، كما أن ما فيه من صرف المكاره والنقم والمخاوف والأخطار والمضار من آثار رحمته، قال تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: ١٨] (ص٣٣) ورحمته التي وصلت لخلقه قسمان:
أ-رحمة عامة: وسعت كل شيء من العالم العلوي والسفلي، ووصلت لكل حي مكلف وغير مكلف، بر وفاجر، مؤمن وكافر، حتى فرعون الذي قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤]، يقول تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦]، وقال سُبْحَانَهُ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ٧] .
وهي رحمة جسدية، دنيوية، دينية،
ومن آثار رحمة الله تعالى علي جميع الخلق:
١- خلق المخلوقات وإيجاده من العدم على صورة محكمةمتقنة، قال تعالى: {ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم (٦) الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين} [السجدة: ٦] .
٢- رعاية الخلق بالتدبير، والتصريف، والحفظ، والأرزاق والمعاش، قال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} [يونس: ١٠٧] .
ب-الرحمة الخاصة: التي خص الله بها عباده الصالحين وأولياءه المتقين، قال تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما} [الأحزاب: ٤٣]، وقال سبحانه: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} [الأعراف: ١٥٦].
وهي رحمة إيمانية، دينية، دنيوية، أخروية،
ومن آثار رحمة الله تعالى علي عباده المؤمنين :
١- هداية أوليائه إلى الحق الذي جهله غيرهم، وتبصيرهم بالطريق المستقيم الذي ضل عنه وحاد عنه من سواهم من الدعاة إلى الكفر والبدعة وأشياعهم، قال تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما} [الأحزاب: ٤٣].
٢- توفيق أوليائه لطاعته، وتيسير الخير لهم، وإعانتهم عليه، قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم} [النور: ٢١].
٣- تثبيت أوليائه على الحق على الرغم من الدواعي للزيغ، قال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} [النساء: ٨٣].
٤- إجابة دعوات أوليائه، قال تعالى: {إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} [الطور: ٢٨].
٥-امتنانه على أوليائه باستغفار ودعاء أفضل ملائكته- حملة العرش- لهم، قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} [غافر: ٧].
٦- جعل مصائب المؤمنين وبلاءهم كلها خير ورحمة؛ فما ينزل بهم من مصائب وآلام وأحزان إلا تكفر به سيئاتهم، وترفع به درجاتهم .
٧- تخفيف أهوال القيامة وشدتها على أوليائه؛ فيؤمن فزعهم بتلقي الملائكة الكرام لهم بالبشرى، قال تعالى: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (٣١) نزلا من غفور رحيم} [فصلت: ٣١، ٣٢].
٨- إدخال أوليائه الجنة التي هي أثر من آثار رحمة الرحمن الرحيم، قال تعالى: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين} [الجاثية: ٣٠].
٩- إخراج أهل التوحيد من النار؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال في الحديث: «فيقول: وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله» رواه البخاري في صحيحه ح٧٥١٠.
رابعا : الآثار الايمانية للعباد المترتبة علي وصف الله بالرحمة في اسمي ( الرحمن- الرحيم) .
١- الرجاء والدعاء والاستغاذة برحمة الرحمن الرحيم .
٢- محبة الله الرحمن الرحيم والحياء منه .
٣- اتصاف العبد بالرحمة .
سنتناول في المقال القادم ان شاء الله تعالي دراسة اسماء (الملك - مالك الملك) .
تعليقات
إرسال تعليق
سعداء بتعليقاتكم