|
كيفية تحقيق العبودية |
نبدأ بعون الله تعالى وبفضله من هذا المقال ، سلسلة مقالات لدراسة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا ، والآثار الايمانية المترتبة عليها، وتم التعرف علي اسم الله والآثار الايمانيةالمترتبةعليها ، ومنها تحقيق العبودية .
سنتناول في هذا المقال كيفية تحقيق العبودية .
أولا : معني العبادة :
١- معني العبادة في اللغة :
غاية الخضوع والذل والانقياد لله -عز وجل-؛ يقال: طريق معبد، أي: مذلل، فالعابد منقاد لمعبوده خاضع له.
٢- معني العبادة في الاصطلاح :
الْعِبَادَة هِيَ اسْم جَامع لكل مَا يُحِبهُ الله ويرضاه من الْأَقْوَال والأعمال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة. فَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وبرّ الْوَالِدين وصلَة الْأَرْحَام وَالْوَفَاء بالعهود وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد للْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَالْإِحْسَان للْجَار واليتيم والمسكين وَابْن السَّبِيل والمملوك من الْآدَمِيّين والبهائم وَالدُّعَاء وَالذكر وَالْقِرَاءَة وأمثال ذَلِك من الْعِبَادَة. ( ص٤٤)
ثانيا : أنواع العبودية :
١- العبودية العامة:
عبودية الملك والقهر والخضوع للأمر الكوني القدري، وبهذا الاعتبار فالمخلوقون كلهم عباد لله، منهم المؤمن ومنهم الكافر، وهذه العبودية لا يصير بها العبد مؤمنًا؛ لأنه مجبور مقهور عليها، كما قال سُبْحَانَهُ: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: ٨٣].
٢- العبودية الخاصة :
المقصود بها التوكل والخوف والرجاء والاستعانة ونحو ذلك فلا تكون إلا لله وحده كما قال تَعَالَى: "فَلَا تكون إِلَّا لله وَحده كَمَا قَالَ تَعَالَى" [٦٤ آل عمرَان]، وقوله تعالي: {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ} .( ص٤٩)
وهذه العبادة هي التي يحبها الله تعالي ويرضاها وبها وصف المصطفين من عباده وبها بعث رسله .
وقال أيضا : وَهَذِه الْعِبَادَة هِيَ الَّتِي يُحِبهَا الله ويرضاها وَبهَا وصف المصطفين من عباده وَبهَا بعث رسله.
ثالثا : مراتب العبودية
قال ابن القيم في مدارج السالكين : وذل العبودية له أربع مراتب:
أولا : كمال الذل
المرتبة الأولى: مشتركة بين الخلق، وهي ذل الحاجة والفقر إلى الله؛ فأهل السموات والأرض جميعا محتاجون إليه، فقراء إليه، وهو وحده الغني عنهم، وكل أهل السموات والأرض يسألونه، وهو لا يسأل أحدا.
المرتبة الثانية: ذل الطاعة والعبودية، وهو ذل الاختيار، وهذا خاص بأهل طاعته.
المرتبة الثالثة: ذل المحبة؛ فإن المحب ذليل بالذات، وعلى قدر محبته له يكون ذله.
المرتبة الرابعة: ذل المعصية والجناية.
فإذا اجتمعت هذه المراتب الأربع كان الذل لله والخضوع له أكمل وأتم؛ إذ يذل له؛ خوفا وخشية، ومحبة وإنابة، وطاعة وفقرا وفاقة انتهي (٢٢٤/١) .
ثانيا : كمال المحبة
قال اللهُ تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165] .
رابعا : أهمية العبودية
١- العبودية هي الغاية من خلق الخلق ،
٢- عبوديته حاجة فطرية فطرت قلوب الخلق للميل إليها، قال تَعَالَى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] .
٣- شرف المخلوق وكماله إنما يكون بتحقيقها، فشرف الملائكة بها {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٦ - ٢٧]، وشرف الأنبياء بها، فقال سُبْحَانَهُ عن أيوب وسليمان -عليهما السلام-: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: ٣٠] .
٤- إحسان العبودية وتكميلها أعلى مراتب الدين؛ قال -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان: «أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» .رواه البخاري في صحيحه ح٥٠
خامسا : فضل العبودية في الدنيا والآخرة
١- عدم تسلط الشيطان عليهم؛ قال تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء: ٦٥]
٢- أنزل الله تعالي الكتب، وأرسل الرسل للدعوة إلي عبادته ، قال تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، وحكى عن جملة من رسله قولهم: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون: ٢٣] .
٣- العبودية لازمة للعبد في أحواله كلها، فتلزمه في حياته إلى مماته كما قال تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩]، أي: الموت .
٤- العبادة دأب ملائكته، قال تَعَالَى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ١٩ - ٢٠] .
٥- حفظهم من المعاصي والمنكرات، قال تَعَالَى عن نبيه يوسف -عليه السلام-: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف: ٢٤] .
٦- اصطفاؤهم لفهم القرآن والعمل به، قال تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: ٣٢] .
٧- التمكين لهم في الأرض، قال تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥] .
٨- استثناؤهم من الهلاك الذي يعم قومهم، قال تَعَالَى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: ٧٣ - ٧٤] .
٩- البشارة لهم في الحياة الدنيا بالثناء الحسن، والرؤيا الصالحة، والبشارة لهم في الآخرة عند الموت، وفي القبر، وفي القيامة، وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم، من دوام رضوانه وبره وإحسانه وحلول أمانه في الجنة، قال سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: ١٧]
١٠- نفي الخوف والحزن عنهم يوم القيامة؛ قال سُبْحَانَهُ: {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف: ٦٨] .
١١- وعدهم بالجنة، قال تَعَالَى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: ٦١ - ٦٣]
سادسا : كيفية تحقيق العبودية
١- قول القلب:
هو الاعتقاد الصحيح بما أخبر به سُبْحَانَهُ عن أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وملائكته، ولقائه على لسان رسله.
٢- قول اللسان:
الإخبار عنه بذلك، والدعوة إليه، والذب عنه، وتبيين الباطل و إزهاقه، والقيام بذكره، وتبليغ أوامره.
٣- عمل القلب:
كالمحبة له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه والرجاء له، والصبر على أوامره، وعن نواهيه، وعلى أقداره، والرضى به وعنه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والذل له والخضوع، والإخبات إليه، والطمأنينة به، وغير ذلك من أعمال القلوب التي فرْضها أفرضُ من أعمال الجوارح، ومستحبُّها أحبُّ إلى الله من مستحبها، وعمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة أو قليل المنفعة.
٤- أعمال الجوارح:
كالصلاة والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات، ومساعدة العاجز، والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك .
نقوم بتحقيق العبودية قولا بالقلب وباللسان وكذلك عملا بالقلب والجوارح مع إخلاص النية في القول والعمل لله تعالي وحده ومتابعة النبي صلى عليه وسلم فيهما .
سابعا : شروط قبول العبادة :
١- الإخلاص، الذي به يتحقق معنى شهادة أن لا إله إلا الله .
٢- المتابعة، التي بها يتحقق معنى شهادة أن محمدًا رسول الله .
سنتناول في المقال القادم ان شاء الله تعالي اسمي (الرحمن والرحيم).
تعليقات
إرسال تعليق
سعداء بتعليقاتكم